الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين وبعد: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة:183. الصوم لغةً: الإمساك عن الفعل، وهو الامتناع عن الأكل والشرب في أوقات معلومة. وفي الاصطلاح هو الإمساك عن المفطرات بقصد القربة، ومن المفطرات تعمد الكذب على الله أو رسوله أو الأئمة صلوات الله عليهم. ولا إشكال في حرمة الكذب في شهر رمضان وغيره كما لا إشكال في عدم مبطلية الكذب للصيام على غيرهم. ومن الأخبار الدالة على بطلان الصيام موثقة أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: الكذب ينقض الوضوء ويفطر الصائم: قال: قلت له هلكنا قال عليه السلام: ليس حيث تذهب إنما ذلك الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة عليهم السلام. وغيرها من الأخبار كموثقة سماعة المضمرة، وموثقته الأخرى قال: سألته عن رجل كذب في شهر رمضان؟ فقال: قد أفطر وعليه قضاؤه، فقلت: فما كذبته؟ قال: يكذب على الله وعلى رسوله. هذا من الناحية الفقهية كون الكذب بأعلى درجاته أحد المفطرات أما الكذب على غير الله أو رسوله أو المعصومين عليهم السلام فليس من المفطرات رغم كون الشريعة قد حرمت ذلك وكما تقدم. الشريعة والتهذيب: أقول: جاءت الشريعة المقدسة وأضعة لأساليب تهذيب النفس والسير بها نحو الكمال ومن تلك الطرق «الصوم» أوجبتها وتعبد الله سبحانه عباده بذلك فيجدر بالمؤمنين أمتثال أوامر السماء بالإمتناع عن مطلق الكذب بدرجاته وأنواعه كافة، كونه أقبح الذنوب وأفحشها وأخبث العيوب وأشنعها قال تعالى: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) النحل:105.
(فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) التوبة:77. أحاديث في ذم الكذب: وقال رسول الله صلى الله عليه وآله «إياكم والكذب فإن الكذب يهدي الى الفجور والفجور يهدي الى النار» وقال صلى الله عليه وآله «المؤمن إذا كذب من غير عذر لعنه سبعون ألف من الملائكة وخرج من قبله نتن حتى يبلغ العرش فيلعنه حملة العرش وكتب الله عليه بتلك الكذبة سبعين زنية أهونها كمن زنى مع أمه» وسئل صلى الله عليه وآله: «يكون المؤمن جباناً؟ قال: نعم، قال: ويكون بخيلاً؟ قال: نعم! قيل ويكون كذاباً: قال:لا!» وقال صلى الله عليه وآله: «كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثاً هو لك به مصدق وأنت له به كاذب» وقال صلى الله عليه وآله: «الكذب ينقص الرزق» وقال صلى الله عليه وآله: «ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم! ويل له ويل له!» وقال صلى الله عليه وآله: «رأيت كأن رجلاً جاءني فقال لي: قم، فقمت معه، فإذا أنا برجلين أحدهما قائم والآخر جالس، وبيد القائم كلوب من حديد يلقمه في شدق الجالس فيجذبه حتى يبلغ كاهله ثم يجذبه فيلقمه الجانب الآخر فيمده فإذا مده رجع الآخر كما كان، فقلت للذي أقامني: ما هذا؟ فقال: هذا الرجل كذاب، يعذب في قبره الى يوم القيامة» وقال صلى الله عليه وآله: «ألا أخبركم بأكبر الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقول الزور» أي الكذب وقال صلى الله عليه وآله: «إن العبد ليكذب الكذبة فيتباعد الملك منه مسيرة ميل من نتن ما جاء به». وقال صلى الله عليه وآله: إن للشيطان كحلاً ولعوقاً ونشوقاً فأما لعوقه فالكذب وأما نشوقه فالغضب وأما كحله فالنوم. أحاديث أخرى: وقال روح الله لأصحابه: من كثر كذبه ذهب بهاؤه، وقال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يجد العبد طعم الإيمان حتى يترك الكذب هزله وجده وقال عليه السلام: أعظم الخطايا عند الله اللسان والكذب وشر الندامة ندامة يوم القيامة وقال علي بن الحسين عليهما السلام: إتقوا الكذب الصغير منه والكبير في كل جد وهزل فإن الرجل إذا كذب في الصغير إجترأ على الكبير، وقال أبو جعفر عليه السلام: إن الله عز وجل جعل للشر أقفالاً وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب، والكذب شر من الشراب، وقال عليه السلام: الكذب هو خراب الإيمان، وقال عليه السلام: إن أول من يكذب الكذاب الله عز وجل ثم الملكان اللذان معه ثم هو يعلم أنه كاذب، وقال الإمام الزكي العسكري عليه السلام: جعلت الخبائث كلها في البيت وجعل مفتاحها الكذب، والأخبار الواردة في ذم الكذب أكثر من أن تحصى وأشد أنواع الكذب إثماً ومعصية الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة وكفاه ذماً أنه يبطل الصوم ويوجب القضاء والكفارة على الأقوى. قال الصادق عليه السلام: إن الكذب لتفطر الصائم، قال الراوي: وأينا لا يكون ذلك منه، قال: ليس حيث ذهبت إنما الكذب على الله تعالى وعلى رسوله وعلى الأئمة عليهم السلام، وقال عليه السلام: الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأوصياء عليهم السلام من الكبائر. وذكر عنده عليه السلام الحائك، وكونه ملعوناً، فقال: إنما ذلك الذي يحوك الكذب على الله وعلى رسوله. وقال الباقر علي السلام: لا تكذب علينا كذبة فتسلب الحنيفية. والحمد لله رب العالمين.