قراءة في مقال الرحالة أبو دلف الينبعي وأخبار رحلته المثيرة إلى التبت صاحب المقال هشام بودرا وهو يدور حول غرائب وردت في كتاب عجائب البلدان لأبى دلف الينبعى والكتاب مثله مثل الكثير من كتب التراث مزور أو من كتبه اخترع ما اخترعه من أقوال دون رحلة ولا ترحال استهل بودرا مقاله بأن سبب رحلة الينبعى هو أمر صدر له من الأمير نصر أمير خراسان بالسفر للصين لخطبة بنت من بنات ملك الصين فقال : "من غرائب وعجائب ما رواه الرحالة الجغرافي والشاعر أبو دلف الينبعي في كتابه عجائب البلدان .. أثناء رحلة قام بها إلى التبت والصين بطلب من الأمير الساماني نصر بن أحمد بن إسماعيل أمير خراسان والذي كان الينبعي يقيم في بلاطه بين سنة 942/ 913م وخرج الرحالة برفقة مجموعة من السفراء بغرض خطبة إحدى بنات ملك الصين للأمير الساماني." قطعا سبب الرحلة غير معقول لأن زواج المشركات محرم وهذا الأمير حسب التاريخ مسلم فكيف سيتزوج امرأة كافرة تعبد الأوثان أو الأرواح والله يقول : " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن "؟ ويقول بودرا أن الينبعى ألف كتابه بعد عودته من الرحلة وأن الكثير من الرحالة والمؤرخين نقلوا عنه: "وأثناء عودة أبو دلف من الصين ألف كتابا سماه عجائب البلدان .. أصبح فيما بعد منهلا للجغرافيين والمؤرخين كالمسعودي وياقوت والقزويني والدمشقي وغيرهم .." وقص بودرا علينا مرائى الينبعى المزعومة ومنها قبيلة عربية تسمى البغراج لهم مملكة هناك وهم من سلالة زيد بن على وأنهم يعبدون المصحف ويؤمنون بألوهية على فقال : "وقد قام أبو دلف بوصف أحوال القبائل والمناطق التي مر بها أثناء زيارته للتبت والصين وعودته .. فيقول بهذا الصدد .. أنه وجد في إحدى مناطق التبت قبيلة تدعى البغراج يعملون في السلاح وكان لهم ملك قوي يدعي أن نسبه يعود إلى يحيى بن زيد .. وكان لهذا الملك مصحف مذهب على ظهره أبيات من الشعر في رثاء زيد .. وبعد إقامته عندهم لمدة من الزمن اكتشف أنهم يعبدون المصحف .. ويقولون أن زيد ملك العرب وأن علي ابن أبي طالب إله العرب .. وكان الحكم عندهم وراثة في العلويين من نسل زيد .. ولاحظ أبو دلف أنهم إذا استقبلوا السماء فتحوا أفواههم شاخصين بأبصارهم بشكل مثير ويزعمون أن علي ينزل ويصعد إليها .. وأن ملوكهم ذو أنوف قائمة وعيون واسعة ويأكلون لحوم الضأن الخراف دون النعاج .. قبيلة البغراج لها ملك قوي ويستمر أبو دلف في سرده قائلا أنه التقى أثناء الرحلة بقبيلة أخرى تدعى تبت .. ولهم مدينة من القصب يعيش بها المسلمون والمجوس والنصارى وأنهم يعطون الجزية لملك البغراج .. ونظام الحكم عندهم انتخابي ديمقراطي .. ليس وراثي .." قطعا يبدو الكتاب بهذا الكلام وكأن من ألفوه يريدون اشعال الفتنة بين السنة والشيعة حيث زعموا عبادة الشيعة لعلى والمصحف ونسبوا لهم أفعال المجانين وهو ما يذكرنا بمن ألفوا ألف ليلة وليلة لأغراض منها اشعال الفتن وقطعا استغلوا السامانى السنى في مقابل الشيعة وحدثنا بودرا عن مشاهدة الينبعى لقبائل عربية في منطقة أخرى وهى قبائل يمنية من ايام تبع فقال : "وينتقل أبو دلف ليحدثنا عن منطقة أخرى لقيها في طريقه تدعى القليب تقطنها قبائل عربية بدوية تخلفت عن تبع الملك الذي يظن أنه غزا الصين منذ زمن طويل .. القبائل مازالت تعبد الأصنام وكان كلامهم بالعربية القديمة لا يعرفون غيرها ويكتبون بالحميرية .. والحكم فيهم وراثي ولهم قوانين وأحكام تنظم حياتهم الإجتماعية والإقتصادية وتربطهم علاقة هدنة مع الصين. هذه من الأمور الذي نقلها الرحالة أبو دلف عن مشاهداته لمنطقة التبت المحاذية للصين .." قطعا تبع هلك هو وأهله ولم يتبق منهم أحد لكفرهم كما قال تعالى : "كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ" ومن ثم لا يمكن أن تكون تلك القبائل من ذلك النسل المزعوم لأنه نسل هالك طبقا للقرآن وإنما المعقول لو وجدت أنها قبائل يمنية مثلا وبالفعل حاليا توجد قرى في أفغانستان قليلة تتحدث اللغة العربية لكون أهلها عرب وقد يتواجد بعض منها في منطقة القوقاز وتحدث بودرا عن الوجود العربى في جوار الصين وفى الصين نفسها مستنتجا أن وجودهم كان بسبب غزوات تبع وأمثاله فقال : "ويستنتج أن الغزو السكاني العربي القادم من اليمن للتبت .. كان منذ عصر الدولة الحميرية في اليمن .. وأن عدة قبائل هاجرت من اليمن واستقرت بالتبت قبل ظهور الإسلام وبعد ظهوره. وبالنسبة للزيدية وهي طائفة دينية إسلامية .. انتقلت إلى الحدود المتاخمة للصين بهجرة مجموعات سكانية تتخذ من هذا المذهب معتقدا .. ومن الواضح أن بمرور الوقت أخذ المذهب عندهم طريقه إلى التحريف .. حتى تحول عندهم علي إلى مثابة إله. ويعد أبو دلف أول من تطرق للموضوع بشكل مستفيض وعبر مشاهداته العينية .. وإن كان ابن الفقيه الهمداني قد سبق أبو دلف وأشار إلى استيطان العرب للمنطقة في قوله عن سمرقند: (وخربها شمر بن أفريقيس فسميت شمركند وبناه بعده تبع ابن ابن شمر وردها إلى أفضل ما كانت وتوغل في أرض الصين فقتل ملكها وبنى مدينة تبت وأسكن بها جيشا من أصحابه فهم اليوم بها .. ) هذه الفقرة من كتاب مختصر كتاب البلدان ص326 وجاء المسعودي في القرن الرابع الهجري وبعده الحموي في القرن السادس والقزويني في القرن السابع والدمشقي في القرن الثامن والنويري من القرن التاسع فأعادوا سرد ما أخبر به أبو دلف أو بعضه .." وكل الروايات في تلك الكتب لا تعتمد إلا على روايات ليس لها أصل ولها مصدر أساسى وهو الرحلة الأولى التى ذكرتها ولكن لا يمكن التأكد من صدقها او حتى كذبها إلا طبقا للقرآن
وتساءل بودرا عن وصول العرب لتلك المناطق وتوطنها فيها وأجاب فقال : "هل وصلت القبائل العربية الى التبت واستوطنتها؟ إلا أن المؤرخين والجغرافيين العرب القدامى اختلفوا حول من هو المسؤول الأول المنشئ للعلاقة بين تواجد القبائل العربية في التبت المحادية للصين .. فنرى أن المؤرخ المسعودي يرجح أن يكون ابو كرب بن تبع ملك حمير الملقب بالأقرن في القرن الرابع الميلادي قد زحف بألفي فارس مستهدفا خراسان والصغد والصين .. بينما يرى النويري أن القضية تعود قبل ذلك إلى القرن الثالث الميلادي .. حينما زحف الملك الحميري ويدعى شمر يرعش بما يقارب من 300 ألف جندي لغزو بلاد العجم وخراسان .. فخرب الصغد وراء جيحون وبنى مدينة تحمل اسمه والتي أصابها التحريف وهي سمرقند .. واصل الملك الحميري شمر زحفه حتى بلغ بلاد الصين .. فتعرض شمر لخدعة من وزير الملك الصيني الذي ادعى أنه مستعد في مساعدتهم لإجتياح الصين بسبب خلافه مع الملك الصيني .. فوثق الملك شمر بالوزير الذي قادهم إلى صحراء قاحلة .. فأجهدهم السير واستبد بهم العطش والجوع فخر كثير منهم قتلى .. وبذلك نجت الصين من حكم العرب الحميريين .. (ويرجح أن تلك المنطقة هي التبت وربما بقي بعض النجاة من جيش شمر فانصهروا في المجتمع التبتي فأسسوا اللبنة الأولى للقبائل العربية بالمنطقة) .. مجرد رأي شخصي ويرجح مؤرخون أخرون أن الملك أسعد أبي كرب 420 - 385م .. هو الذي غزا أذربيجان وهزم الترك وأقام هدنة مع ملوك الهند وواصل زحفه إلى الصغد واستمر حتى إجتاح الصين .. ثم ولى عائدا إلى موطنه حاملا معه الغنائم والآسرى .. وترك هناك بعض قومه من التبابعة الحميريين الذين استوطنوها وتناسلوا بها .." وكما سبق القول نجد ثلاث روايات متناقضة عن اسم الملك فمرة أبو كرب بن تبع ومرة شمر يرعش ومرة أسعد الذى قام بالقتال وعن عدد جيشه وكل هذا مستبعد لأنه حسب القرآن تمت إبادة كل الأقوام الكافرة وهى الممالك القديمة لكفرها عدا قوم يونس (ص) كما قال تعالى : "فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ" وتحدث بودرا عن تسمية التبت فقال أنها مستمدة من كلمة ثبت التى تحولت فيها الثاء إلى تاء فقال : "التبت من مراكز الحضارة في آسيا ومهما يكن من هو المسئول عن ظهور العرب في التبت .. فإن الحميريين الذين كانوا أهل حضارة قديمة في ذاك الزمن قد ساهموا في تأسيس حضارة للتبت التي كانت ترزح في البداوة القاحلة فقد تعلم أهل التبت الأصليين القراءة والكتابة وصناعة القسي والسهام للدفاع عن كيانهم من الأعداء .. ويرجح البعض أن كلمة تبت هي مصطلح مأخوذ من كلمة ثبت .. ويقصد هنا أن بعد أن غزا العرب المنطقة وهنا يقصدون الحميريين قد ثبتوا في المنطقة واستقروا فحرفت إلى التبت .." وتحدث بودرا عن وجهات نظر تقول أن اهل التبت مرة عرب ومرة ترك في كتب المؤرخين فقال : "آراء في نفس المنوال يرى المؤرخ القزويني: بأن أهل التبت ترك في أصلهم .. وأن بهم نسل من حمير جاءوا في زمن التبابعة .. ويرى الدمشقي العربي 727هجرية .. بأن أهل التبت حضر وبدو.. ولغتهم التركية وكانوا يسمون من يملكهم تبع فصاروا يسمونه خاقان وناحيتهم بين الترك والهند والصين وهم أشبه بالعرب في الألوان والخلق من سائر الأمم .. ومن المرجح أن أهل التبت غيروا لغتهم العربية القديمة .. إلى التركية .." وهذا الكلام يدل على أن الرحلات كلها لم تحدث جميعا وأن من كتبوها ليسوا سوى من زورا كتب التاريخ والتراث لأنهم لو ذهبوا بالفعل لكان الكلام واحد ولكن الكلام متناقض وأنهى بودرا كلامه بأنه لا توجد معلومات مؤكدة فقال : "ملاحظة لا توجد معلومات موثقة أو مؤكدة .. ويبقى ما ثم سرده هنا يعود إلى زمن غابر اعتمد في جمع المعلومات شفهيا أو عبر كتب لم تستوفي الموضوع الكثير من الشرح .. كما لا يوجد بحوث حديثة تتطرق للموضوع بشكل علمي في زمننا الحالي .. لكن لا نغفل من أن هناك الكثير من الأسر الصينية والتبتية التي تدعي أن لها أصول عربية .."