قراءة فى كتاب الترغيب عن صلاة الرغائب الموضوعة وبيان ما فيها من مخالفة السنن المشروعة الكتاب من تأليف عز الدين بن عبد السلام وهو يدور حول كون صلاة الرغائب من البدع السيئة وقد استهل كتابه بالمقدمة المعروفة فقال: "الحمد لله الأول الذي لا يحيط به وصف واصف، الآخر الذي لا تحويه معرفة عارف، جل ربنا عن التشبيه بخلقه، وكل خلقه عن القيام بحقه، أحمده على نعمه وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في سلطانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث بحججه وبرهانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه." ثم تحدث عن أنواع البدع فبين أن نوعين منها مباحين بسبب موافقتهم للشرع وأما الثالث فمحرم فقال : "أما بعد: فإن البدع ثلاثة أضرب .
إحداها: ما كان مباحاً كالتوسع في المآكل، والمشارب، والملابس، والمناكح، فلا بأس بشيء من ذلك.
الضرب الثاني: ما كان حسناً، وهو كل مبتدع موافق لقواعد الشريعة غير مخالف لشيء منها، كصلاة التراويح ، وبناء الربط والخانات والمدارس وغير ذلك من أنواع البر التي لم تعهد في العصر الأول، فإنه موافق لما جاءت به الشريعة من اصطناع المعروف والمعاونة على البر والتقوى، وكذلك الاشتغال بالعربية فإنه مبتدع ولكن لا يتأتى تدبر القرآن إلا به، وفهم معانيه إلا بمعرفة ذلك، فكان ابتداعه موافقاً لما أمرنا به من تدبر آيات القرآن وفهم معانيه، وكذلك تدوين الأحاديث وتقسيمها إلى الحسن، والصحيح، والموضوع، والضعيف، مبتدع حسن لما فيه من حفظ كلام رسول الله (ص)أن يدخله ما ليس منه، وأن يخرج منه ما هو منه. وكذلك تأسيس قواعد الفقه وأصوله، كل ذلك مبتدع حسن موافق لأصول الشرع غير مخالف لشيء منها.
الضرب الثالث: ما كان مخالفاً للشرع أو ملتزماً لمخالفة الشرع" وضرب مثال على البدعة المخالفة للشرع بصلاة الرغائب ذاكرا من بين سوءها وأنها حادثة بعد خمسة قرون من نزول الوحى فقال : " فمن ذلك صلاة الرغائب فإنها موضوعة على رسول الله (ص)وكذب عليه، ذكر ذلك أبو الفرج بن الجوزي، وكذلك قال أبو بكر محمد الطرطوشي أنها لم تحدث ببيت المقدس إلا بعد ثمانين وأربعمائة سنة من الهجرة." وتحدث عن أسباب تحريم تلك الصلاة مبينا أن هناك أسباب خاصة بالعلماء وأسباب خاصة بعامة الناس فقال : "وهي مع ذلك مخالفة (للشرع من وجوه) يختص العلماء ببعضها، وبعضها يعم العالم والجاهل فأما ما يختص به العلماء فضربان:
أحدهما: أن العالم إذا صلى كان موهماً للعامة إنها من السنن، فيكون كاذباً على رسول الله (ص)بلسان الحال، ولسان الحال قد يقوم مقام لسان المقال.
الثاني: أن العالم إذا فعلها كان متسبباً إلى أن تكذب العامة على رسول الله (ص)فيقولوا: هذه سنة من السنن، والتسبب إلى الكذب على رسول الله (ص)لا يجوز. وأما ما يعم العالم والجاهل فمن وجوه: أحدها: أن فعل البدع مما يغري المبتدعين الواضعين بوضعها وافترائها، والإغراء بالباطل والإعانة عليه ممنوع في الشرع، وإطراح البدع والموضوعات زاجر عن وضعها وابتداعها والزجر عن المنكرات من أعلى ما جاءت به الشريعة."
الثاني: إنها مخالفة لسنة السكون في الصلاة، من جهة أن فيها تعديد سورة الإخلاص اثنتي عشرة مرة، وتعديد سورة القدر، ولا يتأتى عده في الغالب إلا بتحريك بعض أعضائه، فيخالف السنة في تسكين أعضائه.
الثالث: أنها مخالفة لسنة خشوع القلب وخضوعه وحضوره في الصلاة، وتفريغه لله تعالى وملاحظة جلاله وكبريائه، والوقوف على معاني القراءة والأذكار، فإنه إذا لاحظ عدد السور بقلبه، كان ملتفتاً عن الله تعالى معرضاً عنه بأمر لم يشرعه في الصلاة، والالتفات بالوجه قبيح شرعاً فما الظن بالالتفات عنه بالقلب الذي هو المقصود الأعظم؟
الرابع: أنها مخالفة لسنة النوافل، فإن السنة فيها أن فعلها في البيوت أفضل من فعلها في المساجد، إلا ما استثناه الشرع، كصلاة الاستسقاء، والكسوف، وقد قال (ص): ((صلاة الرجل في بيته أفضل من صلاته في المسجد إلا المكتوبة ).
الخامس: أنها مخالفة لسنة الانفراد بالنوافل، فإن السنة فيها الانفراد، إلا ما استثناه الشرع وليست هذه البدعة المختلقة على رسول الله (ص)منه.
السادس: أنها مخالفة للسنة في تعجيل الفطر إذ قال (ص): ((لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور ).
السابع: أنها مخالفة للسنة في تفريغ القلب عن الشواغل المقلقة، قبل الدخول في الصلاة، فإن هذه الصلاة يدخل فيها وهو جوعان ظمآن، ولا سيما في أيام الحر الشديد، والصلوات المشروعات لا يدخل فيها مع وجود شاغل يمكن رفعه.
الثامن: أن سجدتيها مكروهتان، فإن الشريعة لم ترد بالتقرب إلى الله تعالى بسجدة منفردة لا سبب لها، فإن القرب لها أسباب، وشرائط، وأوقات، وأركان لا تصح بدونها، فكما لا يتقرب إلى الله تعالى بالوقوف بعرفة، ومزدلفة، ورمي الجمار، والسعي بين الصفا والمروة من غير نسك واقع في وقته بأسبابه وشرائطه، فكذلك لا يتقرب إليه بسجدة منفردة، وإن كانت قربة إذا كان لها سبب صحيح، وكذلك لا يتقرب إلى الله عز وجل بالصلاة، والصيام في كل وقت وأوان، وربما تقرب الجاهلون إلى الله تعالى بما هو مبعد عنه، من حيث لا يشعرون .
التاسع: لو كانت السجدتان مشرعتين، لكان مخالفاً للسنة في خشوعهما وخضوعهما، بما يشتغل به من عدد التسبيح فيهما بباطنه، أو بظاهره، أو بباطنه وظاهره.
العاشر: أن رسول الله (ص)قال: ((لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن تكون في صوم يصومه أحدكم)) وهذا الحديث قد رواه مسلم بن الحجاج في صحيحه .
الحادي عشر: أن في ذلك مخالفة السنة فيما اختاره رسول الله (ص)في أذكار السجود، فإنه لما نزل قوله سبحانه وتعالى: {سبح اسم ربك الأعلى}، قال: ((اجعلوها في سجودكم ، وقوله: ((سبوح قدوس)) وإن صحت عن النبي (ص)فلم يصح أنه أفردها بدون سبحان ربي الأعلى، ولا أنه وظفها على أمته، ومن المعلوم أنه لا يوظف إلا أولى الذكرين، وفي قوله: ((سبحان ربي الأعلى)) من الثناء ما ليس في قوله: ((سبوح قدوس)) . ومما يدل على ابتداع هذه الصلاة، أن العلماء الذين هم أعلام الدين، وأئمة المسلمين، من الصحابة، والتابعين، وتابعي التابعين، وغيرهم ممن دون الكتب في الشريعة، مع شدة حرصهم على تعليم الناس الفرائض والسنن، لم ينقل عن أحد منهم أنه ذكر هذه الصلاة ولا دونها في كتابه ولا تعرض لها في مجالسه والعادة تحيل أن تكون مثل هذه سنة، وتغيب عن هؤلاء الذين هم أعلام الدين، وقدوة المؤمنين، وهم الذين إليهم الرجوع في جميع الأحكام من الفرائض والسنن، والحلال والحرام، وهذه الصلاة لا يصليها أهل المغرب الذين شهد رسول الله (ص)لطائفة منهم أنهم لا يزالون على الحق حتى تقوم الساعة ولذلك لا تفعل بالإسكندرية لتمسكهم بالسنة. ولما صح عند السلطان الملك الكامل رحمه الله أنها من البدع المفتراة على رسول الله (ص)، أبطلها من الديار المصرية فطوبى لمن تولى شيئاً من أمور المسلمين فأعان على إماتة البدع وإحياء السنن. وليس لأحد أن يستدل بما روي عن رسول الله (ص)أنه قال: ((الصلاة خير موضوع ) فإن ذلك مختص بصلاة لا تخالف الشرع بوجه من الوجوه، وهذه الصلاة مخالفة للشرع من الوجوه المذكورة، وأي خير في مخالفة الشريعة؟! ولمثل ذلك قال (ص)((شر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة )" وكل الأدلة التى ذكرها العز هى أدلة ليس فيها شىء من وحى الله وهى مبنية على عدم ذكرها فى الروايات والغريب العجيب فى أمر نوافل الصلاة سواء ذكرت فى روايات أم لم تذكرها أنها كلها تخالف القرآن فى أن الله أباح صلاة واحدة غير مفروضة وهى قيام الليل يصليها من شاء من المؤمنين ويتركها من شاء فقال : "إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثى الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن" ومن ثم لا وجود لصلوات النوافل فى الإسلام إلا صلاة قيام الليل فالرسول(ص) ليس من يشرع وإنما المشرع هو الله فلو كان يشرع فلماذا نهاه الله عن تشريع تحريم ما أحل الله فقال :
" لم تحرم ما أحل الله لك " ومن ثم لا وجود لصلوات قبلية ولا بعدية مع الصلوات المفروضة ولا وجود للصلوات الأخرى التى ذكرت فى الروايات
وبعد أن أنهى الرجل أدلته تحدث عن رجلين أفتيا بجواز صرى الرغائب فقال : "وقد بلغني أن رجلين ممن تصدى للفتيا مع بعدهما عنها سعَيا في تقرير هذه الصلاة وأفتيا بتحسينها وليس ذلك ببعيد مما عهد من خطلهما وزللهما، فإن صح ذلك عنهما ما حملهما على ذلك إلا أنهما قد صلياها مع الناس مع جهلها بما فيها من المنهيات، فخافا وفرقا إن نهيا عنها أن يقال لهما فلم صليتماها؟ فحملهما اتباع الهوى على أن حسنا ما لم تحسنه الشريعة المطهرة، نصرة لهواهما على الحق، ولو أنهما رجعا إلى الحق وآثراه على هواهما وأفتيا بالصواب، لكان الرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل، { ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً }.
والعجب كل العجب لمن يزعم أنه من العلماء ويفتي بأن هذه الصلاة موضوعة على رسول الله (ص)، ثم يسوغ موافقة وضاعها عليها، وهل ذلك إلا إعانة للكذابين على رسول الله (ص)، ومن اتبع الهوى ضل عن سبيل الله كما نص عليه القرآن' ثم أفتيا بصحتها مع اختلاف أصحاب الشافعي رضي الله عنهم في صحة مثلها، فإن من نوى صلاة ووصفها في نيته بصفة فاخلفت تلك الصفة هل تبطل صلاته من أصلها أو تنعقد نفلاً ؟ فيه خلاف مشهور.
وهذه الصلاة بهذه المثابة، فإن من يصليها يعتقد أنها من السنن الموظفة الراتبة، وهذه الصفة متخلفة عنها فأقل مراتبها أن تجرى على الخلاف." وهذا الكلام يدلنا على أن البعض ينهى عن الشىء ويأتيه فأولئك القوم أفتوا بحرمة الصلاة ولكنهم صلوها مع من يصلون وكأن لا قيمة لفتواهم بالحرمة