كشفت وثائق جديدة، سمحت السلطات الأمريكية بنشرها أخيراً، عن وجود معلومات "قد" تربط موظفين حكوميين سعوديين بمنفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
منذ عام 2003، عملت إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن، ثم إدارة الحالي باراك أوباما، على إخفاء 28 صفحة من تقرير تابع للكونغرس بشأن تلك الهجمات.. وكانت الأسباب المعلنة وراء هذا الأمر هو أن ما تكشفه الصفحات يمس الأمن القومي، وأن نشرها ستكون له نتائج سلبية تطال المصالح الأمريكية في العالم وستضعف قدرة واشنطن على جمع المعلومات الاستخباراتية عن أشخاص مشتبه في تورطهم بعمليات إرهابية.
الحقيقة التي لم يرغب بوش وأوباما بكشفها أن هذا القسم من تقرير لجنة التحقيق في هجمات عام ألفين وأحد عشر يتحدث بشكل محدد عن "دور سعودي محتمل" في تقديم المساعدة أو الدعم للإرهابيين أو حتى التواصل معهم قبيل تنفيذهم الهجمات.. وكلما كان البعض يثير القضية ويسأل عن تلك الصفحات وما ورد فيها من أدلة أو تكهنات بشأن دور الحليف العربي في أحداث 11/9، كان الجواب الرسمي هو عدم وجود أي أدلة أو اتهامات موجهة للرياض أو موظفيها الرسميين فيما ورد في التحقيقات، وأن كل ما تتناقله وسائل الإعلام والجرائد مجرد تخمينات وشائعات عارية تماماً عن الصحة.
مع قدوم عام 2015، بدأت الأصوات المطالبة بالكشف عن نص الصفحات السرية تتعالى، وبدأ أهالي ضحايا الحادي عشر من سبتمبر يطالبون الكونغرس بالسماح لهم بمقاضاة الحكومة السعودية لدورها المزعوم في ما عصف بنيويورك في ذلك اليوم الأسود.. وبذلك بدأ الحديث يدور حول ضرورة نشر الصفحات السرية لوضع حدٍ لهذا الأمر، و"لتبرئة" الحليف الأقرب في العالم العربي من تلك التهم وتجنب تدهور العلاقة المميزة معه.. وفي الوقت نفسه، هددت الرياض، وإن بصورة غير مباشرة، من أن موافقة الكونغرس على مشروع قانون يسمح بمقاضاتها بسبب أحداث نيويورك سيدفعها إلى بيع سندات خزانة وأصول أخرى بالولايات المتحدة تصل قيمتها إلى 750 مليار دولار.. والرئيس الأمريكي بالطبع لم يتوان عن تأكيد موقفه الرافض لإقرار المشروع، فقد هدد بعدم التوقيع على القانون إن تم التصديق عليه في الكونغرس.
الصفحات محل النقاش نُشرت، والآن يمكن للجميع الاطلاع عليها وتحليل ما جاء فيها بشكل كامل.. أهم ما جاء فيها هو أن أشخاصاً تواصلوا أو قدموا مساعدة أو دعماً لبعض منفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وأن هؤلاء الأشخاص، وفق وثائق صادرة عن مكتب التحقيقات الفدرالي fbi ومذكرة من وكالة الاستخبارات المركزية cia ، "قد" يكونوا من موظفي الحكومة السعودية وأن اثنين على الأقل منهم تابعين لجهاز المخابرات السعودي.. لكن التقرير يؤكد أن المعلومات الواردة يجب التأكد من صحتها من خلال مزيد من التحقيقات، التي يجب أن تجريها الأجهزة الأمنية المختصة.
الصفحات تذكر أسماءً محددة لأشخاص تقول إنهم "قد" يكونوا موظفين في السفارة السعودية أو موظفي استخبارات سعوديين أو مسؤولين في وزارة الداخلية، وأن تقارير مختلفة عنهم جاءت لمكتب التحقيقات الفدرالي قبل عام ألفين وواحد.. المعلومات تتطرق حتى لأخ غير شقيق لأسامة بن لادن، كان موظفاً في السفارة السعودية بواشنطن وقت وقوع الأحداث.
بعد سرد هذه المعلومات، يعود التقرير إلى تأكيد عدم القدرة على حسم مستوى الارتباط المباشر بين الحكومة السعودية والأنشطة الإرهابية عالمياً أو في داخل الولايات المتحدة، إن وجد هذا الارتباط.. وهذه النقطة تحديداً هي التي استخدمها المتحدث باسم البيت الابيض جوش ايرنست عندما أكد أن النتيجة التي توصلت إليها اللجنة في تحقيقها هي عدم وجود أي دليل على قيام الحكومة السعودية كهيئة أو أي مسؤول سعودي كبير بتمويل تنظيم القاعدة أو مساعدته.
إذاً، النتيجة النهائية هي أن الأجهزة الأمنية أشارت إلى أدلة غير مؤكدة "قد" تشير إلى تورط موظفين في الحكومة السعودية بالأحداث الدامية عام ألفين وواحد، لكن لا يوجد ما يشير إلى أن الحكومة السعودية ذاتها كمؤسسة كانت مسؤولة عن أو مرتبطةً بأي حدث ساهم في تنفيذ الهجمات أو تمويلها.. والحكم لقارئ التقرير وتقديره وتوجهاته.