الكيميائيات من أخطر المواد التي يتداولها الإنسان.. وتتسبب بزيادة تلوث عناصر البيئة.. وبالتالي تؤثر على صحة الإنسان، ولا يقتصر التعرض للمواد الكيميائية على أماكن العمل والعاملين فيها فقط، بل إن معظم الناس إن لم يكن جميعهم يمكن أن يتعرضوا بأكثر من طريق، سواء من خلال سوء الاستخدام المنزلي أو نتيجة الحوادث، وبالإضافة إلى تأثيراتها الصحية.. فإن للمواد الكيماوية تأثيرات بيئية تنجم عن الانبعاثات التي تحدث نتيجة استخدام هذه المواد في الأنشطة المختلفة... ويعتمد تأثير المواد الكيماوية على سمية المادة ومدة التعرض، ومستوى التأثير في تركيز المادة الكيماوية ومدة التعرض، لقد لعبت الكيماويات دوراً هاماً في تطور المجتمعات البشرية من خلال استخدامها في جميع الأنشطة العلمية والصناعية والزراعية والبترولية والعلاجية والتجارية والحربية والمنزلية، وكما ساعدت الكيماويات على ارتقاء مستوى الحياة، أدت إلى تعرض صحة الإنسان وبيئته إلى مخاطر كثيرة أثناء إنتاجها ونقلها وتخزينها واستخدامها والتخلص منها، ويزيد عدد المركبات الكيماوية المعروفة في العالم حتى الآن عن 12 مليون مركب، يتداول منهم نحو 70 ألفاً في الحياة اليومية. ففي مجال الزراعة.. وفي حال استخدام المبيدات و الأسمدة بمعدلات مرتفعة، فإنه يؤدي إلى تلوث التربة الزراعية ويؤثر على قدرتها الإنتاجية، كما تتلوث مصادر المياه السطحية والجوفية والنباتات والمحاصيل المختلفة نتيجة استخدام الطائرات في الرش المساحي، وفي مجال الصناعة يتعرض العاملون في الصناعات الكيماوية إلى مخاطر التعرض للكيماويات .. وخاصةً عند عدم توفر إجراءات الوقاية السليمة، حيث تتصاعد الغازات الضارة من بعض المصانع مثل ثاني أكسيد الكربون والأكاسيد الكبريتية والنيتروجينية والأمونيا.. ويبقى أغلبها معلقاً في الجو فتلوّث الهواء المحيط بالمناطق الصناعية، وتتسبب بالأمطار الحمضية. وتنتج عن كثير من الصناعات مخلفات صلبة وسائلة.. تُلقى معظمها في المجاري المائية دون معالجة، ويزيد من خطورة هذه المخلفات أن معظمها شديد الثبات ولا يتحلل تحت الظروف الطبيعية المعتادة، ويبقى أثرها الضار طويلاً في المجاري المائية. وفي كثير من الأحيان.. تحتوي هذه المخلفات على مواد فعّالة تتفاعل مع مكونات البيئة التي تُلقى فيها وتؤدي إلى استهلاك قدر كبير من غاز الأكسجين الذائب في مياه المجاري المائية.. مما يؤدي إلى قتل الكائنات الحية التي تعيش فيها، كما تحتوي على بعض المخلفات الصناعية على المعادن الثقيلة مثل الزئبق والزرنيخ والزنك والنحاس.. وهي عناصر شديدة السمية للكائنات الحية وعلى رأسها الإنسان لقدرتها على التراكم في الأنسجة الحية.. وتقوم الأسماك بتخزين الزئبق في أجسامها على هيئة مركب عضوي يُعرف باسم " ثنائي فينيل الزئبق" أو " ميثيل الزئبق" وتصبح غير صالحة للاستهلاك الآدمي، وتُستخدم الكيماويات في الأنشطة البترولية وتضاف مادة " رابع إيثيل الرصاص" على الوقود المستخدم في السيارات، لتحسين خواصه لزيادة كفاءة المحرك.. الأمر الذي يؤدي إلى تلوث البيئة بمادة الرصاص التي تؤدي إلى حدوث أمراض خطرة لدى الإنسان، ويمثّل التلوث بزيت البترول خطورةً كبيرة على الكائنات الحية، ويؤدي استخدام المنظفات الصناعية التي تُستعمل بكميات كبيرة في عمليات الغسيل التي تلوث المجاري المائية التي تُلقى بها مخلفاتها لزيادة مركبات الفوسفات التي تؤدي إلى نمو الطحالب، وبعض النباتات المائية الأخرى، وتؤدي إلى حالة التشبع الغذائي وتتحول البحيرات إلى مستنقعات خالية من الأكسجين تؤدي إلى قتل الأسماك وغيرها من الكائنات الحية ، كما أن التدخين يلوّث الهواء الذي يدخل إلى الرئة محمّلاً ببخار القطران وأبخرة مواد كيمياوية مسرطنة مثل "البنزيايرين" و " البنزانثراسين" ويمتد التأثير الضار للكيماويات إلى الفضاء، حيث تصعد الكيماويات المستخدمة في أجهزة التبريد والتكييف وعبوات الإيروسول والتي تُعرف بمركبات الكلورفلوركربون، والتي تتميز بشدة ثباتها في طبقات الجو العليا وتؤدي إلى تلف طبقة الأوزون.
لقد بدأ الاهتمام العالمي بقضية المواد الكيميائية في أوائل السبعينيات خلال مؤتمر "استكهولم" حول البيئة الإنسانية، الذي عُقد في عام 1972، وذلك عندما تم اقتراح فكرة تأسيس برنامج عالمي للسلامة الكيميائية بهدف إيجاد آلية للإنذار المبكر، ومنع التأثيرات السلبية الناجمة عن استخدام المواد الكيميائية، وتقييم المخاطر المحتملة على صحة الإنسان، ومن هنا تأتي أهمية التعرف إلى هذه المواد ومخاطرها بما يتيح الفرصة لاتخاذ الإجراءات الوقائية بشأنها واستخدامها بشكل آمن.