لطالما كانت ولاتزال المحيطات من أعظم التحديات المعرفية التي يقف أمامها العلماء في حيرة وتوجس وغموض مستمر، أسئلة عالقة وعوالم مجهولة مطمورة في التخمينات مدججة بالألغاز.
فمعارف البشرية بخصوص المحيطات شحيحة جدا، وفي كل مرة يطفو فيها تحد علمي ما على سطح الاهتمامات وتستبد الاستفهامات بالقائمين على حل لغز ما في أعماق المحيط ، أو يحدث طارئ كفقدان دائرة في المحيط أو غيرها، يتضح للعالم كم هو مجهول وغامض عالم البحار بالنسبة لنا، وكم نحتاج من سنة ضوئية لنجيب عن جل تساؤلاتنا في هذا العالم المحكوم بثنائية الغموض والحيرة.
فالمحيطات هي الجزء الأكبر من الغلاف المائي الذي يطوق الكرة الأرضية ، ويبلغ عدد المحيطات التي تطوق كوكب الأرض خمسة محيطات.
ويغطي ماؤها ما يقرب من 71٪ من سطح الأرض. وتحتوي المحيطات على 97% من مياه الأرض، وقد صرح علماء المحيطات أنه لم يتم استكشاف سوى 5% فقط من المحيطات ككل على الأرض.
فالقسم الأعظم من أعماق المحيطات ظلت غير مكشوفة ولم يصلها الإنسان البتة بعد فإن التقديرات تشير إلى أنه توجد أكثر من مليوني نوع من أنواع المخلوقات البحرية ، ويعتقد أن المحيطات قد شكلت فترة مناخ حقبة الهاديان وربما كانت هي الدافع لنشوء الحياة.
ويعتبر المحيط الهادئ، هو أكبر المحيطات إذ تبلغ مساحته نصف مساحة الغلاف المائي وأكثر من ثلث مساحة سطح الكرة الأرضية، وتبلغ مساحته حوالي 165.246 مليون كيلو مترا مربعا.
ويحتوي هذا المحيط على أعمق نقطة بحرية في العالم وهي المعروفة باسم خندق ماريانا 11521م بالقرب من جزر الفلبين.
أما المحيط الأطلنطي أو المحيط الأطلسي فتبلغ مساحته 82441 مليون كيلو متر مربع وأعمق وحدة فيه هي وحدة بورتوريكو 9219م.
وبالنسبة للمحيط الهندي فمساحته حوالي 73443 مليون كيلو متر مربع، وقد تصل إلى 74917 مليون كيلو متر مربع، وأعمق وحدة فيه هي وحدة جاوة البالغ عمقها 7455م.
وأما المحيط المتجمد الشمالي يشكل القطب الشمالي للكرة الأرضية ويحيط به على مساحة تبلغ حوالي 14 مليون كيلو متر مربع تقريبا. ويغطيه الجليد بصورة دائمة وهو جليد دائم لا يرتكز على أية أرض يابسة، فيه بعض الجزر التابعة لقارة أوروبا وأميركا الشمالية وآسيا وفيه درجة الحرارة الأكثر انخفاضاً في العالم التي قد تصل الحرارة إلى 70 درجة تحت الصفر وأعمق وحدة فيه بحدود 1526 م.
والمحيط المتجمد يتكون من الأجزاء الجنوبية للمحيط الأطلسي والمحيط الهادئ والمحيط الهندي التي تحيط بقارة القطب الجنوبي وتقع مناطقه بعد خط عرض 45 جنوبا من كل محيط حيث تخف أو تنعدم كل التأثيرات المدارية وتتجمد مياهه معظم أيام السنة وأعمق وحدة فيهتصل إلى 6972 م، وتبلغ مساحته حوالي 20 مليون كيلو متر مربع.
وهذه المحيطات هي موطن لأكثر من 230 ألف من الكائنات الحية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن العلماء يعتقدون أن المحيطات تضم أكثر من مليوني نوع من أنواع المخلوقات البحرية لم يتم اكتشافها ومن أسرارها إلا النذر القليل جدا.
فعلى الرغم من الاستكشافات العظيمة التي أنجزت في الفضاء إلا أن البشرية لم تستكشف إلا أقل من 5% من المحيطات، فعلى سبيل المثال أهم سلسلة جبال في المحيطات والمعروفة باسم أعراف منتصف المحيط والتي تقع في منتصف المحيط الأطلسي، لم تستكشف إلا في سنة 1973 بعد أربع سنوات من هبوط الأنسان على القمر.
ففي الخمسينيات، أجري أول استطلاع سريع ودقيق لمسح أعماق المحيط بأجهزة "السونار"، وكانت النتائج مفاجئة بالنسبة لعلماء المحيطات، فأرضية المحيط التي تخيلوها أراضا مسطحة، بلا معالم أو سمات، اكتشفوا أن بها تضاريس أكثر وعورة من الموجودة فوق سطح الأرض.
فهي تحتوي على جبال أكثر ارتفاعا وامتدادا من جبال الأرض، كما يوجد تحت سطح البحر سلسلة من البراكين التي تحيط بالأرض.
وأدرك الجيولوجيون الاختلافات في طبوغرافيا سلسلة جبال وسط المحيط منذ بداية السبعينيات، ولكنهم لم يكونوا قادرين على إيجاد تفسير مناسب لها.
وقد ظلت طبيعة هذا الانتقال غامضة إلى حد بعيد وذلك لأن أغلب سلسلة الجبال وسط المحيط، التي امتدت بمعدلات متوسطة، استقرت بعيداً في جنوب المحيط حول القارة الجنوبية، فظلت غير مكتشفة بشكل فعلي.
وفي يوليو 1996 سجل قمر صناعي تابع للبحرية الأميركية لأول مرة بصورة واضحة، معالم أحواض المحيط، ما مكن العلماء من عمل خرائط عديدة لبعض المناطق البحرية التي كانت مجهولة من قبل، كما أنها ساعدتهم في الوصول إلى فهم أفضل لأرضية البحار والمحيطات.
لكن هذه الخرائط والمعدات التي يستخدمها البشر اليوم في مقاربات المحيطات مازالت وفي لجج تطورها، تكشف أننا مازلنا بعدين جدا عن الخوض في غمار المحيطات وفك ألغازها وانتزاع معلومات شافية وكافية من أغوارها، وأن ألغاز المحيط لا تنضب وتحدياته ممتدة وعميقة وجل أسراره مازالت قيد المجهول المطلق.