تبعد الشمس نحو 150 مليون كيلومتر عن الأرض، ومع ذلك يمكننا أن نشعر بالدفء الذي تنتجه كل يوم حتى إن الحرارة في بعض الدول كالكويت قد تتخطى الستين درجة مئوية. لكن ما يثير الحيرة هو أن الفضاء الخارجي يظل باردا رغم احتراق الأرض على بعد ملايين الكيلومترات.
لفهم هذه الظاهرة المحيرة، قال الكاتب كاشيابمن في تقريره الذي نشره موقع "إنترستينغ إنجينيرينغ" الأميركي، إن من المهم أولا إدراك الفرق بين المصطلحين اللذين يستخدمان غالبا بالتبادل وهما الحرارة ودرجة الحرارة.
الحرارة ودرجة الحرارة
الحرارة هي الطاقة المخزنة داخل جسم ما، ويتم قياس سخونة أو برودة هذا الجسم باعتماد درجة الحرارة. وانتقال الحرارة إلى جسم ما يرفع درجة حرارته، وهذا الانتقال يتم بثلاث طرق: التوصيل الحراري والحمل الحراري والتوصيل الإشعاعي.
وتنتقل الحرارة في المواد الصلبة من خلال التوصيل الحراري، في حين تنتقل عن طريق الحمل الحراري في السوائل والغازات، بالإضافة إلى السطح الفاصل بين المواد الصلبة والسوائل.
وما يهمنا هنا هو التوصيل الإشعاعي، وهو العملية التي يطلق فيها الجسم الحرارة في شكل ضوء، وتعتبر الشمس مثالا ممتازا عن الإشعاع الحراري الذي ينقل الحرارة عبر النظام الشمسي.
نحن نعلم أن درجة الحرارة تؤثر فقط على المادة، ولكن الفضاء لا يحتوي على جزيئات كافية، وهو بمثابة فراغ كامل ومساحة لا نهاية لها. لذلك، يصبح نقل الحرارة في الفضاء عن طريق التوصيل الحراري أو الحمل الحراري أمرا مستحيلا، في حين يبقى التوصيل الإشعاعي الاحتمال الممكن الوحيد.
عزيزى العضو \ الزائر لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرد في الفضاء لا توجد أجسام أو ذرات كي تنتقل الحرارة بينها مثلما يحصل على الأرض (غيتي)
وأوضح الكاتب أنه عندما تسلّط حرارة الشمس على جسم ما في شكل إشعاع، فإن الذرات التي تشكل الجسم ستبدأ في امتصاص الطاقة التي تبدأ بدورها في تحريك الذرات وجعلها تهتز وتنتج الحرارة من خلال هذه العملية. ونظرًا لعدم وجود أي طريقة لنقل الحرارة، ستبقى درجة حرارة الأجسام الموجودة في الفضاء كما هي لمدة طويلة، أي أن الأجسام الساخنة تبقى ساخنة والأجسام الباردة تبقى باردة.
ولكن عندما تدخل إشعاعات الشمس إلى الغلاف الجوي للأرض تجد الكثير من المادة القادرة على تنشيطها، فيتحوّل هذا الإشعاع إلى حرارة.
بيد أن السؤال المهم هنا: ما الذي سيحدث إذا وضعنا شيئًا خارج الغلاف الجوي للأرض؟ الجواب: يمكن للفضاء أن يجمدك أو يحرقك بسهولة.
إذا تم وضع جسم خارج الغلاف الجوي للأرض وكان معرضا لضوء الشمس المباشر فإن حرارته قد تصل إلى نحو 120 درجة مئوية، أما الأجسام حول الأرض وفي الفضاء الخارجي والتي لا تكون معرضة لأشعة الشمس المباشرة فإن حرارتها ستكون بحدود 10 درجات مئوية بسبب تسخين بعض الجزيئات التي تفلت من الغلاف الجوي للأرض.
ومع ذلك، إذا قسنا درجة حرارة الفضاء الفارغ بين الأجرام السماوية لن تتجاوز درجة الحرارة 3 كلفن فقط فوق درجة الصفر المطلق.
والعبرة هنا هو أنه يمكن الشعور بحرارة الشمس إذا كان هناك جسم يمتصها. والفضاء تقريبا لا أجسام فيه، ولهذا فهو بارد جدا.
الجانبان المتطرفان للحرارة في الفضاء
من المعروف أن الأماكن المظللة تصبح باردة، وخير مثال على ذلك أجواء الليل حيث تنخفض الحرارة نتيجة عدم وجود أشعة تخشي ذلك الجزء من الأرض، وفي الفضاء ينطبق الأمر ذاته لكن الاختلاف في درجات الحرارة يكون كبيرا جدا. وذلك أن الأجسام في الفضاء تتعرض لكلا درجات الحرارة القصوى والبرودة القصوى من جانبيها.
فعلى سبيل المثال تصل حرارة سطح القمر المعرض لأشعة الشمس إلى 127 درجة مئوية، أما حرارة الجانب المظلم منه فتصل إلى سالب 173 درجة مئوية.
في المقابل، لا تتعرّض الأرض للتأثيرات ذاتها بفضل الغلاف الجوي الذي يعكس موجات الأشعة تحت الحمراء القادمة من الشمس، ومن ثمّ توزع الموجات التي تدخل الغلاف الجوي للأرض بالتساوي. وهو ما يفسّر التغيّر التدريجي في درجة الحرارة بدلا من درجات الحرارة العالية أو البرودة الشديدة.
الخلاصة أن أشعة الشمس تنتقل خلال الأجسام، لكن في الفضاء لا توجد أي جزيئات أو ذرات لامتصاص تلك الحرارة، فتظل حرارة النظام على ما هي عليه.
ويوضح الكاتب أنه عندما لا توجد أي أجسام يمكن تسخينها تظل حرارة النظام على ما هي عليه، وهذا ينطبق على الفضاء، فأشعة الشمس ربما تنتقل خلاله لكن ليس هناك جزيئات أو ذرات لامتصاص تلك الحرارة.
لذلك فحتى عندما تسخن أشعة الشمس صخرة لأكثر من 100 درجة مئوية، فإن المساحة المحيطة بها لن تمتص أي حرارة للسبب ذاته. فعندما لا تكون هناك مادة لا تنتقل الحرارة، لهذا فحتى مع كون الشمس حارة جدا يظل الفضاء باردا كالثلج.