يستذكر العراقيون في التاسع من نيسان؛ ذكريات جمعت النقائض بفرحها وحزنها كحال حياتهم، فبينما يحيون بحزنٍ وألمٍ ذكرى مرور 40 عاماً على استشهاد المرجع الديني الكبير السيد محمد باقر الصدر وأخته العلوية بنت الهدى على يد جلاوزة النظام الدموي المقبور؛ يحيون في الوقت عينه الذكرى الـ 17 لسقوط نظام صدام الدكتاتوري المجرم، ذلك اليوم الذي فتح آفاق الحرية للعراقيين بعد أكثر من نصف قرن من الكوارث والدمار والحروب والإجرام الذي لم تشهد له البشرية نظيراً في تاريخها، ويقرُّ المحللون والمراقبون السياسيون بأنَّ خيبة أمل العراقيين بالعملية السياسية التي رافقت التغيير كانت كبيرة، ورغم ذلك فإنَّ الكثير منهم يرون أنَّ هناك بصيص أمل يحيا كل مرة، فالعراق كالعنقاء التي تنبعث للحياة من تحت رماد الموت.
النائب عن تحالف سائرون سعران الأعاجيبي، قال في حديث لـ «الصباح» بالمناسبة: إنَّ «ذكرى استشهاد الصدر الأول تمثلُ انتقالة من الدكتاتورية الى فضاء الحرية، والسعي لبناء الإنسان ودعوة جادة لبناء دولة ناجحة بمقوماتها الاقتصادية والسياسية والعلمية
والاجتماعية».
وأضاف، إنَّ «الشهيد الصدر الأول هو بحد ذاتة ثورة تجسد رفضاً للاستبداد والدكتاتورية ونقطة مضيئة في تاريخ العراق», مشيراً الى أنَّ «استشهاد الصدر دعوة للتوحد والتكاتف وحفظ كرامة الشعب من العبودية».
وأكد الأعاجيبي، أنَّ «الصدر الأول كان من أوائل المتصدين للأنظمة الدكتاتورية والفكر الدموي، ودعواته لتحرير الإنسان أولاً وكسر قيود الدكتاتورية، إضافة الى خلق ركائز الدولة ونواتها الإنسان وتحقيق مكتسباتها التي تنعكس إيجاباً على الحياة العامة
للمجتمع».
وأشار الى أنَّ «تاريخ استشهاد الصدر الأول يجسد رسالة تحرر من كل العبوديات التي تسيطر على الإنسان، وتخلق منابع للفكر التحرري وإحياء القيم الإنسانية»، وأضاف، إنَّ «تجسيد الحرية عند الشهيد الأول؛ كانت تكمن في تصديه للدكتاتورية وتحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية التي يطمح لها الشعب من خلال التغيير وبناء العملية السياسية وفق رؤية
الشعب».
دروس وعبر
بدوره، اعتبر النائب عن تيار الحكمة جاسم البخاتي، أنَّ «ذكرى استشهاد الصدر الأول محطة نستلهم منها كل الدروس والعبر لبناء الوطن، وتقديم التضحيات للحفاظ على الأهداف السامية التي تحدى بها الشهيد الصدر الأنظمة الدكتاتورية».
وأضاف البخاتي لـ»الصباح»، إنَّ «الشهيد الصدر الأول مع ما يحمله من قيمة علمية كبيرة ودينية وفقهية، كان منبراً للحرية والدفاع عن حقوق المواطنين في كل العراق من دون أنْ يقف عند قومياتهم ومذاهبهم، ورسالته ليست الوصول الى الحكم أو المنافع الخاصة والابتعاد عن الشخصنة، كل هذه تجلت في منهجه واستشهاده».
وأكد أنَّ «الشهيد الصدر الأول لم يبخل بدمه عندما وجد أنَّه سيسهم في تحرير العراق من العبودية وفك قيوده من الدكتاتورية وقيادة الشعب الى شاطئ الحرية»، مشدداً على «أهمية أنْ ترسخ تضحية الشهيد نكران الذات والثورة على النفس», مبيناً أنَّ «على الجميع أنْ يضعوا العراق نصب أعينهم ومحور اهتماماتهم وغاياتهم وأهدافهم».
وأشار الى أنَّ «الشهيد الصدر طالب العراقيين بالحفاظ على وحدة البلد الذي ضحى من أجله، ولا ينبغي التفريط بها», داعياً أنْ «تكون رسالته منفذاً لتطبيق العدالة الاجتماعية في المجتمع».
من جانبه، أشار النائب عن تحالف الفتح فاضل الفتلاوي إلى أنَّ «ذكرى شهادة الصدر الأول بمثابة إحياء لكل القيم الإنسانيَّة والأخلاقيَّة، ودعوة للجميع للتوقف عندها والابتعاد عن المسارات الضيقة والعمل ضمن روح الفريق الواحد، وبذل النفس من أجل بناء المجتمع العراقي».
وأضاف الفتلاوي لـ «الصباح»، إنَّ «استشهاد الصدر الأول حمل كل مواصفات الحرية ضد الدكتاتوريات والعبودية، وقد ضحى بنفسه من أجل تقديم نموذج إنساني خالد عبر التاريخ، ليكون مناراً تحتذي به كل الأجيال».
وحث النائب «الكتل السياسية على السير على خطى الشهيد الصدر الأول الذي مثل عنوانا للحرية ومنهجاً للعملية السياسية ولكل أبناء الشعب العراقي الواحد والدعوة لتوحيد الصفوف، وكانت أهدافه تحقيق مبادئ الحرية للشعب والعدالة
الاجتماعية».
دولة الظلم
عضو مجلس النواب محمد البلداوي، أفاد في حديثه لـ «الصباح»، بأنَّ «من الآيات العظيمة أنْ يجعل الله يوم استشهاد سماحة السيد الشهيد محمد باقر الصدر؛ هو اليوم ذاته الذي تهلك فيه دولة الظلم والطغيان والجبروت التي أدخلت العراق في صراعات على مدى 35 عاماً، وتشاء القدرة الإلهية بانتصار دولة الحق والشهادة والدماء التي هي امتداد لثورة الحسين (عليه السلام) وأحرار العالم».
وأضاف، إنه «كان لا بدَّ للعملية السياسية والقيادات التي استثمرت التضحيات أنْ تمضي قدماً من أجل تصحيح مسيرة العراق ووضعه السياسي، لكنْ مع الأسف كان هناك فشلٌ في هذا الموضوع ولم تستطع مواكبة الثورة الحسينية وامتداداتها من الثورات في العراق، وبالتالي نرى اليوم منعطفات خطيرة نتيجة التخلي من بعض القيادات».
وتابع إنَّ «هناك خط مقاومة وشهداء الذين بفضل دمائهم وتضحياتهم حققنا النصر على التنظيمات الإرهابية والطائفية في العراق وأبرزها (داعش) الإجرامي، فبعد أنْ حقق العراق طفرة على مستوى العالم وقلب الموازين خلال هذه الفترة بعد أنْ كان الكل يتصور أنْ تقود عصابات الظلم والقتل والترهيب (داعش) العالم ويكون مقرها في العراق، لكنَّ أرض العراق مقدسة وطاهرة بفضل تضحيات أبناء قواتنا الأمنية والحشد المقدس ونخوة أبناء العشائر الأصلاء التي أعادت أمجاد تلك الثورات ومنها ثورة الشهيد محمد باقر الصدر، وحطمت كل جبروت وتلك هي نهاية الطغاة التي أرادت (داعش) ومن خلفها الصهيونية العالمية أنْ تستقر وتتواجد في أرض العراق».
وأكد البلداوي، أنَّ «اليوم كان يفترض أنْ تكون انعطافة جديدة في تاريخ العراق، من خلال توحد أبنائه من أجل أن يقرروا مصيره والعملية السياسية والخلاص من الهيمنة الخارجية التي تحاول فرض نفسها على العراقيين من خلال التدخلات الأجنبية وتشكيلها الحكومة، ويصحح المسار باختيار شخصية وطنية قادرة على قيادة البلد خلال المرحلة المقبلة وتعيد الى العراق وضعه وأمجاده، وتخرجه من هذا المأزق السياسي الاجتماعي الصحي الاقتصادي بقيادة حكيمة مدعومة من جميع أبناء الشعب العراقي»، متوقعاً أنْ «يتحقق ذلك خلال المرحلة المقبلة ليكون العراق على أعتاب مجد جديد ويبرز دوره بين دول العالم أجمع».
نهوض الأمة
عضو مجلس النواب رياض المسعودي، دعا في حديثه لـ «الصباح»، «القوى السياسية للمحافظة على العناوين الكبيرة المتمثلة بالشهيد الصدر الأول لبناء مجتمع قادر على النهوض بهذه الأمة».
وقال المسعودي: «لا يخفى على أحد ما قام به السيد الصدر من خلال وقوفه بوجه النظام السابق من خلال مناهجه وتفكيره الثقافي، وإنَّ استشهاد الصدر الأول يعدُّ بمثابة منعطف خطير في منهج الإعدامات التي ارتكبها النظام المباد، ولكن نجد أنَّ هناك الكثير من الشخصيات التي استمرت في مواجهة الحكم البعثي في العراق بعد الشهيد
الصدر».
وأضاف، «نلاحظ أنَّ هناك حركة سياسية إسلامية تنامت قبل وإثر استشهاد الصدر الأول، أمثال حركة الدعوة الاسلامية وكذلك التيار الصدري والمجلس الأعلى»، مبيناً أنَّ «العملية السياسية في العراق مبنية على تلك المناهج الفكرية والسياسية والعقائدية، لأنَّ هذه الشخصيات الدينية كان لهم وقع في
المجتمع».
وبشأن سقوط النظام، فقد سمى المسعودي هذا اليوم بـ «يوم احتلال العراق»، والذي له «أهداف متعددة منها إسقاط النظام الدكتاتوري - وليس الغرض منه حب الشعب العراقي- وإنما إعادة بناء خارطة الشرق الاوسط، وأيضا الحفاظ على أمن إسرائيل، والتحكم بمصادر
النفط».
الى ذلك، بينت عضو مجلس النواب ندى شاكر جودت، أنَّ «السيد الصدر لو كان موجوداً لكانت هناك عملية بناء صحيحة في العراق ولكنا في مصافي الدول المتقدمة في العالم والشرق الاوسط، وما يؤسف عليه عدم الالتزام بتعليماته مع العلم إنَّ الكثير من الموجودين في العملية السياسية موالون ومؤمنون بأفكاره، ولكن على أرض الواقع لم تنفذ أو
تطبق».
وقالت جودت لـ «الصباح»: إنَّ «الشهيد الصدر من الشخصيات التي بنت وناضلت باتجاه
بناء العراق الديمقراطي، لذلك لا بدَّ من أنْ نمضي على خطاه في ظل الوضع الحالي الذي كشف الفساد
المستشري والمشكلات التي كانت نتيجتها انتفاض الشارع بسبب الأزمات والفساد الموجود على هذه الحكومات المتعاقبة من خلال فشلها في توفير الخدمات وفرص العمل للناس».
وأضافت، «من المفروض على الجميع مراقبة أداء الحكومة - كما ذكره السيد الشهيد الصدر- لا سيما أنَّ النواب ممثلون عن الشارع، وبالتالي علينا ألا نخذل أبناء شعبنا ونوفر متطلباتهم من خلال تشريع القوانين ومراقبة إدارة الدولة ومحاربة