ولد الإمام موسى بن جعفر (ع) 7 صفر في نهاية العهد الاموي سنة (128هـ) في ( الابواء ) بين مکة المکرمة والمدينة المنورة، وهو البلد الذي توفيت ودفنت فيه آمنة بنت وهب أم الرسول(ص). وبهذه المناسبة الأليمة نتطرق إلى بعض مظاهر شخصيته سلام الله عليه :
أولا- وفور علمه: لقد شهد للإمام موسى الكاظم عليه السلام بوفور علمه، أبوه الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام إذ قال عنه: «إن ابني هذا لو سألته عمّا بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم". وقال أيضا: وعنده علم الحكمة، والفهم والسخاء والمعرفة بما يحتاج اليه الناس فيما اختلفوا من أمر دينهم".
ثانيا- عبادته وتقواه: نشأ الإمام الكاظم عليه السلام في بيت القداسة والتقوى، وترعرع في معهد العبادة الطاعة، بالإضافة الى انه قد ورث من آبائه حب الله والايمان به والإخلاص له، فقد قدموا نفوسهم قرابين في سبيله وبذلوا جميع إمكانياتهم في نشر دينه والقضاء على كلمة الشرك والضلال، فأهل البيت أساس التقوى ومعدن الايمان والعقدة، فلولاهم ما عبد الله عابد ولا وحُده موحد. وما تحقُقت فريضة ولا أقيمت سنة، ولا ساغت في الإسلام شريعة.
ثالثا- زهده: كان الإمام عليه السلام في طليعة الزاهدين في الدنيا والمعرضين عن نعيمها وزخارفها فقد اتجه إلى الله ورغب فيما اعدّه له في دار الخلود من النعيم والكرامة.
رابعا- جوده وسخاؤه: لقد تجلّى الكرم الواقعي، والسخاء الحقيقي في الإمام عليه السلام فكان مضرب المثل في الكرم والمعروف، فقد فزع اليه البائسون والمحرومون والمستضعفون لينقذهم من كابوس الفقر وجحيم البؤس وقد اجمع المؤرخون انه انفق عليه السلام جميع ما عنده عليهم، كل ذلك في سبيل الله لم يبتغ من احد جزاء او شكورا، وكان يلتمس في ذلك وجه الله ورضاه ، وكان يواصل الطبقة الضعيفة ببره واحسانه وهي لا تعلم من أي جهة تصلها تلك المبرة وكان يوصلهم بصراره ،وكان يضرب المثل بتلك الصرر فكان اهله يقولون: «عجبا لم جاءته صرار موسى وهو يشتكي القلة والفقر!».
خامسا- حلمه: وكان الحلم من أبرز صفات الإمام موسى بن جعفر عليه السلام فقد كان مضرب المثل في حلمه وكظمه للغيظ، وكان يعفو عمن أساء إليه، ويصفح عمن اعتدى عليه، ولم يكتف بذلك وانما كان يحسن لهم ويغدق عليهم بالمعروف ليمحو بذلك روح الشر والانانية من نفوسهم.
سادسا- أن ارشاد الناس الى الحق وهدايتهم الى الصواب من أهم الأمور الإصلاحية التي كان الإمام موسى بن جعفر عليه السلام يعني بها، فقد قام بدور مهم في انقاذ جماعة ممن أغرتهم الدنيا وجرفتهم بتياراتها. وببركة ارشاده ووعظه لهم تركوا ما هم فيه من الغيّ والضلال وصاروا من عيون المؤمنين. لقد كان عليه السلام يدعو الناس إلى فعل الخير ويدلهم على العمل الصالح ويحذرهم لقاء الله واليوم الآخر، فقد سمع رجلا يتمنى الموت فانبرى عليه السلام له قائلا: هل بينك وبين الله قرابة يحابيك بها؟ فقال: لا، قال له عليه السلام: «فأنت إذن تتمنّى هلاك الابد».
سابعا- احسانه إلى الناس: وكان الإمام عليه السلام بارّا بالمسلمين محسنا إليهم.
وعند الاطلاع على فصول ومضامين سيرة الإمام الكاظم(ع) نستوحي حقيقة ساطعة في جل سير الأطهار عليهم السلام وخصوصا من لدن الأئمة عليهم السلام الذين وصلتنا أدعيتهم، حيث كل أئمة الهدى عليهم السلام تميزوا عن غيرهم وهم المعصومون عليهم السلام، بكثرة العبادة وعظمة الدعاء والأفق الروحي الكبير السامي الذي يجعل العلاقة بالله هي المبتغى الأعظم الواجب التحرك نحوه...
والإمام الكاظم(ع) ككل الأئمة عليهم السلام، لم تكن خصوصيته الدعائية الاستغراق فيه كعبادة مع هجران الساحة الإسلامية المنقلبة على الحق الإمامي في قيادة الأمة وترشيد مسيرتها... بل كان حاضرا حضورا ثوريا عظيما يعطي مشهدا حسينياً بكل ما يحمله من مبادئ
حسينية وأهدافا إسلامية أصيلة عظيمة، لقد كانت سلام الله عليه حياته منسجمة أعظم انسجام مع النهج القرآني في نشر الثقافة الإسلامية الصافية النقية وفي التعبير عن النظرة الإسلامية للحياة وللكون والفكر والمصير.
في رحاب هذا كله نكتشف هذا الإمام الهمام(ع) وهو يعطي لشيعته المخلصين وللمسلمين الباحثين عن الخلاص، درسا رسالياً بليغا، لا يدع أية شبهة أو تملق أو تذمر من هموم الحياة الدنيا واستكبار السلطات الطاغية وظلم الظالمين لهم، إنه السجن، الصورة المجسدة للضيق والاستعباد والظلم واغلب عناوين الإرهاب والاستكبار...
في هذا البيت الإستكباري-السجن-قدم لنا الإمام السجين(ع) ثقافة إدارة الأزمات، حيث استثمر ذلك الواقع الضاغط على إمامته، الحاقد على ولايته المقلقة للاستكبار والسلطة المنحرفة، فأنتج(ع) صورة عبادية إسلامية مشرقة من داخل هذا الشر، كالتي كانت تشرق من بيته الطاهر الخير، حيث نستوحي من كلمته البليغة في دعائه العظيم(ع): اللهم إنك تعلم أنني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، اللهم وقد فعلت ذلك فلك الحمد.
مع الإمام الكاظم(ع) في دعائه نتعلم كيف نعيش القرب من الله، فالحياة العادية الروتينية، هي حياة يكتنفها الغموض والمستقبل الخطير، لأنها حياة تراعي السطحية العبادية وبقاء الهدوء القاتل للمسؤولية، ولا تحاول اقتحام الواقع من خلال وعيها العبادي وإرهاصاته الرسالية، فكلمة الإمام(ع) تشير إلى كل شيعي مسلم نبيه أن عبادتك الروتينية الفاقدة للحضور الرسالي وللدور الإصلاحي وللموقف الإسلامي المناهض لكل أنواع الظلم والإستكبار والإرهاب، لا تعتبر عبادة ولا تفرغ لعبادة الله تبارك وتعالى، بل انها وهم صوفي وزهد بليد، وهذا الأسلوب الكاظمي الرائع هي طريقة تربوية إسلامية قل نظيرها، حيث تقتحم الواقع في أدق تفاصيله الروحية دون الغفلة عن جوانبه المادية الشكلية التي من المفترض تكون نابعة وتابعة للروح العبادية السليمة.